الجوهرة السوداء العربي بن مبارك 


الجوهرة السوداء لقب يعتبرونه الكثيرون لقب اللاعب البرازيلي بيلي ولكن الصحيح ان اول لعب اطلق عليه هذا اللقب هو  العربي بن مبارك اللاعب المغربي الظاهرة الفريدة في كرة القدم حيث لقبه المعجبون بالجوهرة السوداء.
وللقب “الجوهرة السوداء” حكاية، فقد طلبت إحدى الجرائد الفرنسية من قرائها اختيار لقب للعربي بن امبارك، فتناسلت الألقاب من قبيل “القايد” و”المذنب السريع”… لكن لقب “الجوهرة السوداء” كان هو الفائز، وهو بحق لقب يستحقه العربي بجدارة، خاصة أن النجم بيلي رفض حمل هذا اللقب وبن امبارك على قيد الحياة…وليس في ذلك غرابة، لأن التواضع كان دائما سمة العظماء.
ولد العربي بن مبارك 16 يونيو من العام 1914 في المغرب في الدار البيضاء في حي من الأحياء الضيقة " حي كوبا " قرب سور الجديد ..
رغم أن التاريخ الرسمي المذكور في أوراقه الشخصية هو 1919 ..
فالكل يتفق على أنه تم تغيير تاريخ ميلاده ليسمح له باللعب في نادي "USM" .. و هذا ما يؤكده بنمبارك نفسه .
نشأ الصغير "العربي" في كنف عائلة فقيرة كحال، والده كان يشتغل بالنجارة،  بدأ صباه باحتراف مهنة النجارة في احياء البيضاء كما مارس مهنة كهربائي وميكانيكي وكان يزاول الكرة رفقة أقرانه في دروب البيضاء منذ نعومة أظافره ثم انطلقوا الى الفضاء الواسع لملعب لمريزيغة "Tirane Lemriziga"، الذي تحول فيما بعد الى المسبح البلدي، ثم صار جزءا من الأرض التي بُني عليها مسجد الحسن الثاني ..
هناك تعلم أبجديات كرة القدم، و سخّر الموهبة التي منحها الله تعالى له، في امتاع المتفرجين الذين كانوا يراقبون ذلك الفتى الصغير ..
لاعب يعتبر تحفة الكرة العربية , و أسطورة العرب و المغرب الذي شرفها في الميادين الأوروبية و الساحة العالمية .
يعتبر اللاعب المغربي و العربي الوحيد الذي حقق بطولة اسبانيا مرتين وله مهارات عالية و أخلاق فاضلة و ايمان قوي لمسلم مواضب على أداء واجباته الدينية.
مهارات كروية فطرية، التي لا تتوفر الا للصغار الفقراء الذين ينسون بؤسهم بمداعبة الكرة في أوقات فراغهم الطويلة، يبحثون عن لحظات السعادة و المتعة الكروية و اللعب الجميل ..
سنوات بعد ذلك ، بدأت تنتشر ممارسة الكرة باحترام القوانين المنظمة للعبة، حيث ظهر مجموعة من دوريات الأحياء التي كانت تجمع بين شباب مختلف دروب و أزقة الدار البيضاء، و أقواها كان تلك المباريات التي تجمع بين الفريقين الممثلين للمدينة القديمة و درب السلطان .. مباريات كانت تنتهي غالبا بمعركة بين لاعبي الفريقين يشترك فيها الجمهور الحاضر ..
و كانت تلك المواجهات المثيرة تلعب في الملعب البلدي "Tirane Municipal" ( أصبح جزءا من حديقة الجامعة العربية في وسط المدينة )، و ملعب الحيوط "Tirane Lahouiette" .. الذي كان يتواجد قرب هيئة التبغ "la Régie des Tabacs" .
في أول مباراة مع فريقه الجديد، واجه العربي و رفاقه، نادي "USM"، الذي كان يثير الرهبة في خصومه كونه سبق له الفوز 3 مرات ببطولة شمال افريقيا، التي كانت تضم أندية المستعمرات الفرنسية الثلاث ( تونس و الجزائر و المغرب )، و لكون العربي معتادا على اللعب حافي القدمين، فقد وجد صعوبة في التأقلم مع اجبارية اللعب بالحذاء الرياضي لذلك رفض انتعال الحذاء الذي سُلّم اليه قبل تلك المباراة، و لعب بالجوربين، رغم ذلك، تمكن من تسجيل هدفين و ساهم بشكل كبير في احتلال فريقه للمركز الثالث في الدوري المغربي ..
بعد ذلك صدر قرار يجبر اللاعبين على انتعال الأحذية ، تحت طائلة التهديد بالتوقيف، وعانى الشاب بنمبارك لفترة قبل أن يتعوّد على اللعب بالحذاء
ساهم بأهدافه في بلوغ ناديه نهاية كأس المغرب سنة 1935 ، التي انهزم فيها أمام نادي الراسينغ المغربي "RC Marocain"
العربي كان نجم المباراة، و الصحافة المغربية أغرقته بالمديح و الإشادة، مما أجبر المسؤولين على المناداة عليه للعب مع المنتخب المغربي الذي لعب مباراة ودية أمام منتخب جهة وهران الجزائري
سنة واحدة كانت كافية للشاب العربي للتألق و اتباث علو كعبه بين الكبار هذا الشاب الموهوب كان مهاجما و هدافا و موزعا للكرات، يلعب بالرجلين و يتقن الضربات الرأسية، باختصار لاعب متكامل
لذلك كان من البديهي أن يهتم بانتدابه النادي المغربي الأقوى في تلك الفترة نادي الاتحاد المغربي union sportive marocaine حيث كان يزاول المستعمرون الفرنسيون ابان فرض الحماية على المغرب
في أبريل سنة 1937 لعب المغرب أمام المنتخب الفرنسي الثاني، و انتهت المباراة بفوز الفرنسيين (4-2)، و بنمبارك اختير أفضل لاعب في المباراة، و أثار اعجاب الصحفيين الفرنسيين المرافقين للبعثة الفرنسية الذين اكتشفوا فيه موهبة كروية فذة
و مع انتشار المقالات التي تتحدث عنه في الصحف الفرنسية، بدأ اهتمام الأندية الفرنسية يتّجه اليه حيث سيطلب نادي اولمبيك مارسيليا وده لكن فريقه رفض تسريحه.
و بالنظر الى اصرار مسؤولي نادي مارسيليا الفرنسي، لم يجد نادي " l’USM" بدا من بيعه بمبلغ 44.000 فرنك فرنسي، أعلى مبلغ في تاريخ انتقالات اللاعبين المغاربة الى الأندية الفرنسية آنذاك بنمبارك تلقّى مبلغ 35.000 فرنك مقابل توقيعه، و راتب شهري 3500 فرنك.



الانتقال الى فرنسا

حيث في موسم1938/1939 التحق بنادي اولمبيك مارسيليا عبر البحر (باخرة la Joliette marseillaise ) بتاريخ 28/06/1938 ليكون بذلك أول عربي تطأ قدماه دوريات أوروبا وعمره لا يتجاوز 21 ربيعا
وكما كان التألق عنوانه بالمغرب فقد سار على نفس الدرب صحبة نادي مارسيليا حيث منذ المباراة الاولى خطف العربي قلوب الجمهور المارسيلي المتعصب لفريقه ، ممثل الجنوب الفرنسي، تمريرة حاسمة للهداف "Kohut" و هدفين اخرين سجلهما بنفسه
لتنتهي المباراة بفوز مارسيليا على نادي "Racing de Paris" بنتيجة (5-2)
أيام قبل تلك المباراة، و في مباراة ودية أمام نادي Southend الإنجليزي، سجّل العربي بن مبارك 8 أهداف، بسرعة كبيرة، تمكّن بنمبارك من فرض تألقه في صفوف النادي الفرنسي، بمهاراته العالية و حسه التهديفي المعتمد على قوة تسديداته و اتقانه للعب بالرأس
وقع 12 هدفا صحبة ناديه الفرنسي مكنته من احتلال الرتبة الثانية خلف نادي سيت الشيء الذي لفت انتباه مدرب المنتخب الفرنسي الذي نادى عليه لتعزيز صفوف المنتخب الفرنسي حيث أرغم بن مبارك على حمل القميص الفرنسي ضد المنتخب الايطالي في 4 دجنبر 1938 خمسة أشهر فقط على قدومه الى فرنسا
و في جو سياسي متوتر بين البلدين ، لُعبت المباراة في نابولي حيث الجماهير الإيطالية الحاضرة كانت تطلق صافرات الإستهجان على اللاعبين الفرنسيين و بنمبارك خصوصا، فالعربي لم يكن يتوفر على الجنسية الفرنسية، و الصحافة الإيطالية تحدثت بشكل ساخر قبل المباراة عن تلك النقطة، و منظر لاعب أسود وحيد في الملعب حيث كل اللاعبين و الجماهير فيه من البيض يثير المشاعر العنصرية التي طالما غذتها الإيديولوجية الفاشيستة لموسوليني، الزعيم الإيطالي و الحاكم المطلق لايطاليا في تلك الفترة
ردة فعل بنمبارك، كانت هي التغني بصوت جهوري بكلمات "La Marseillaise"، النشيد الرسمي الفرنسي
ذلك الحدث ، احتل عناوين الصحف الفرنسية في اليوم التالي للمباراة مما جعل الشاب المغربي الأسمر، يصبح بطلا قوميا في فرنسا منذ مباراته الأولى مع المنتخب الفرنسي
ليبدأ بذلك العربي بن مبارك مسيرته الطويلة مع المنتخب الفرنسي التي ستستمر 15 سنة و 10 أشهر، و هو رقم قياسي لايزال صامدا الى غاية اليوم، لعب خلالها 17 مباراة و سجل 3 أهداف.
و لعب مبارة ثانية مع المنتخب الفرنسي أمام بولونيا 22 يناير 1939، عرفت انتصار الفرنسيين (4-0)، و ثالثة أمام هنغاريا (2-2) بتاريخ 16 مارس 1939، و انتصار على بلجيكا في بروكسيل (3-1) بتاريخ 18 ماي 1939
كل شيء كان يعد بمستقبل كبير لابن الدار البيضاء لكن و لسوء حظ عشاق المتعة الكروية، انطلقت الحرب العالمية الثانية لتوقف صعود بنمبارك لسلم المجد ة يضطر للعودة الى المغرب ويلعب لناديه الاصلي حيث فاز معه خلال تلك السنوات بـ 5 ألقاب بطولة شمال افريقيا و كأس واحدة لشمال افريقيا
دام التوقف خمس سنوات في الدوري الفرنسي قبل ان تعود له الحياة ليعود معها العربي بن مبارك للتباري ولكن هذه المرة صحبة نادي stade de paris
حيث دشّن رئيس نادي "stade de paris" سياسة انتداب النجوم لتكوين فريق من مشاهير اللعبة في أوروبا، بانتداب الجوهرة المغربية الذي سيشكل قطعة أساسية في فريق سيقوده مدرب قادم من الدار البيضاء أيضا، الأسطورة التدريبية " Helenio Herrera "
عاد العربي الى فرنسا و استقر بالعاصمة باريس، حيث يوجد مقر نادي "stade de paris" و هناك صار أحد ركائز النادي الباريسي، و بلغت شهرته الآفاق، كان محبوبا جدا لمهاراته التي لا تضاهى و طريقته الأنيقة في التحكم بالكرة و المراوغة و التسديد في ملعب حديقة الأمراء في العاصمة الفرنسية مملوء عن اخره بالجماهيرالمتعطشة للفرجة والمتعة حيث الكل يسعى لحضور مباريات نادي "stade de paris" و نجمه العربي بنمبارك
في موسم 45/46 ساهم العربي في صعود ناديه الباريسي إلى قسم الصفوة ليحتل بعدها ناديه المرتبة الخامسة في أول موسم وقاد ناديه الباريسي إلى التألق في الدوري الفرنسي بعد ان كان ناديا مغمورا.
لعب له لمدة ثلاث مواسم رفقة النادي الفرنسي قبل أن تفشل سياسة جلب النجوم، و فشل النادي في تحقيق ألقاب مهمة اضافة الى الديون التي تراكمت على رئيس النادي ، ليتم بيع أغلب اللاعبين أصحاب الكلفة العالية، و باعتبار بنمبارك هو نجم الفريق، فقد كان هو المرشح الأكبر للخروج.

الإنتقال إلى اسبانيا

بعد الحرب العالمية، انتقل الى اسبانيا ليصبح نجم فريق "أتلتكو مدريد" و لعب له من سنة 1948 إلى 1953 حيت حقق معه عدة  نتائج ".
و من يدخل اليوم إلي متحف الفريق يجد تمثال العربي بن مبارك صنع  له تكريما و اعترافا له بما قدم للفريق
بعد التألق في فرنسا،ورغبة الفريق الفرنسي في بيع نجومه توالت عليه العروض من شتى الفرق الا انه فضل عرض نادي اتليتيكو مدريد الذي كان يطمح إلى المنافسة على الليغا فانتدب أحد أشهر لاعبي الوسط الهجومي في العالم
تم بيع عقده للنادي الإسباني " أتليتيكو مدريد " حيث وصلت قيمة الانتقال الى 17 مليون فرنك فرنسي، انتقال أسال الكثير من المداد في الصحف الفرنسية، حيث علقت صحيفة باريسية على الصفقة قائلة :
( فلتبيعوا قوس النصر أو برج ايفيل ، لكن لا تبيعوا العربي بنمبارك ).
اختيار بنمبارك للأتليتيكو مدريد كوجهة جديدة له، كانت بسبب أن الفريق الإسباني قد تعاقد مع المدرب "Helenio Herrera" المدرب الفرنسي، الأرجنتيني الأصل الذي تعرف عليه في الدار البيضاء، و كان وراء جلبه الى نادي "Stade de paris"
مسؤولي أتليتيكو مدريد، و في مباراة ودية جمعت ناديهم بنادي الملعب الفرنسي "Stade Français" و بعد أن شاهدوا ابداعات العربي، كان رد فعلهم هو هذه العبارة :
(Al negro hay que ficharlo como sea)
الترجمة : ( هذا الأسود، يجب أن نتعاقد معه مهما يكن )
التحقاه بنادي اتليتيكو مدريد في موسم 1948/1949 احدث ثورة كروية في النادي القشتالي وقاده للحصول على لقب الليغا لأول مرة في تاريخ النادي في موسم 1949/1950
وقد كانت أول مباراة يخوضها النجم المغربي بالوان الروخيبلانكو هي تلك التي جمعته ضد فريق اسبانيول فيما اعتبرت مباراة الفريق ضد راسينغ سانطندير الابرز في تاريخ الفريق حيث الانتصار بحصة 9 -0 في مباراة تألق فيها بن مبارك بشكل لافت ومثير جعلت منه معشوق جماهير el colchonero
بل والادهى من ذلك احرز معه اللقب مرة اخرى متتالية في السنة الموالية 1950/1951.
 ولقد كانت حقبة تاريخية لاتلتيكو مدريد بتواجد النجوم سيلفا و دومينغو و هيلانيا و زابالا و السويدي كارلسون اطلق عليه المتتبعون الكرويون انذاك لقب الجوهرة السوداء la perle noire واطلق الأسبان على ثنائية بن مبارك وكارلسون هجوم الكريسطال.

العودة إلى فرنسا

في موسم 1951 عاد العربي بن مبارك إلى نادي مارسيليا حيث لعب له موسما واحدا قبل ان يقرر الاعتزال بعد 17 سنة في ملاعب أوروبا محققا مجدا كرويا رائعا بل ذهب كثير من النقاد الكرويون إلى انه أفضل لاعب الكرة في النصف الاول من القرن العشرين.
مواقع الجامعة الفرنسية تقول انه رابع أفضل من حمل القميص الفرنسي بعد المبدع بلاتيني و كوبالا و زيدان في المرتبة الثالثة ثم بن مبارك رابعا.

الأندية التي لعب لها

1934/1935 نادي إيديال البيضاوي
1935/1938 الاتحاد الرياضي المغربي
1938/1939 أولمبيك مرسيليا الفرنسي
1940/1945 الاتحاد الرياضي المغربي
1945/1948 ستاد الفرنسي
1948/1953 أتلتيكو مدريد الإسباني
1953/1955 أولمبيك مرسيليا الفرنسي

بعد الاعتزال

بعد اعتزاله عاد بن مبارك إلى ارض الوطن ليدرب نادي الاتحاد الرباطي ثم النجم البيضاوي وكان العربي بن مبارك محافظا على صلواته في قلب فرنسا واسبانيا وكان الخمر والدخان لا يعرفان اليه سبيلا مما كان يثير استغراب الفرنسيين والاسبان
و من الطرائف، أنه و رغم بداية مشواره كمدرب، سيقرر العربي بنمبارك العودة للممارسة من جديد كلاعب هاو هذه المرة و بالضبط ببلجيكا و هو الأمر الذي أكده ميشيل هيدالغو خلال برنامج لقناة كنال بلوس الفرنسية في يونيو 2008.
ويعد العربي بن مبارك افضل لاعب كرة انجبته الميادين المغربية صحبة عبد المجيد الظلمي ،احمد فرس، محمد التيمومي، عزيز بودربالة، الزكي بادو والبقية
غادر العربي بن مبارك الدنيا في سنة1992 وعاش وحيدا في اخر حياته بعد وفاة زوجته الفرنسية وابنه ولم يتم اكتشاف موته الى بعد مرور ثلاث أيام.



في 16 شتنبر 1992، وجدت جثة الراحل العربي بنمبارك في بيته بالبيضاء و قد مات أسبوعا قبل ذلك غارقا في وحدانيته، و في 8 يونيو 1998 تم توشيحه بوسام الاستحقاق من طرف الاتحاد الدولي (فيفا).

من مواليد 1985 , من المغرب و بالضبط مدينة سلا, مدون و مبرمج و محترف في عالم النت و برمجيات المنتديات و المواقع و المدونات ومهتم بشؤون المعلوميات و أدرس حاليا في لغات ويب وبرمجة اخرى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق